JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Startseite

نتنياهو : سوبر أسبرتا الوصفة الذي اثارالرعب

 


في 26 سبتمبر 2025، اعتلى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لإلقاء خطاب كان من المفترض أن يكون استعراضًا سياسيًا ورسالة تحدٍ للعالم، لكنه تحول إلى مشهد يكشف حجم العزلة الدولية التي تمر بها إسرائيل. فما إن توجه نتنياهو نحو المنصة حتى انسحبت وفود دبلوماسية عديدة من القاعة، تاركة وراءها مقاعد شبه فارغة، في مشهد رمزي عبّر بوضوح عن أن إسرائيل باتت دولة منبوذة على الساحة العالمية، خاصة بعد الجرائم المستمرة التي ارتكبتها في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والتي صنّفها الكثيرون كجريمة إبادة جماعية.

خطاب في وجه العاصفة الدولية

في خطابه، لم يتردد نتنياهو في مهاجمة قادة غربيين وصفهم بالضعفاء والمتخاذلين أمام الضغوط الشعبية، وذلك بعد أن اعترفت بعض حكوماتهم بدولة فلسطين وبدأت تتجه لفرض عقوبات على إسرائيل. ظهر نتنياهو كزعيم يتحدى العالم، مؤكّدًا أن إسرائيل لن تتراجع عن سياساتها ولن تغير مسارها، حتى لو كلفها ذلك مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي. لكن قدرته على الاستمرار في هذا النهج تبقى موضع شك كبير، إذ تمتلك العديد من الدول أدوات ضغط سياسية واقتصادية وربما عسكرية يمكنها التأثير بفاعلية على إسرائيل.

"سوبر أسبرتا": الوصفة التي أثارت الرعب

أخطر ما ورد في الخطاب هو إعلان نتنياهو عن خطته لتحويل إسرائيل إلى ما سماه "سوبر أسبرتا"، أي نسخة حديثة من المدينة اليونانية القديمة التي اشتهرت بالعسكرة والاعتماد على الذات. نتنياهو أوضح أن الهدف هو بناء اقتصاد مكتفٍ ذاتيًا، قادر على الصمود أمام أي ضغوط خارجية، خصوصًا إذا تعرضت الصناعات الدفاعية الإسرائيلية للعرقلة. لكن تصريحاته هذه فجّرت موجة قلق داخل إسرائيل نفسها. فالكثير من الإسرائيليين رأوا في هذه الرؤية تهديدًا مباشرًا لمستقبل دولتهم، خاصة أن أسبرتا انتهت إلى الانهيار والاختفاء من التاريخ رغم قوتها العسكرية.

مخاوف الداخل الإسرائيلي

ردود الأفعال لم تتأخر. الأسواق الإسرائيلية تراجعت بشدة في اليوم التالي لتصريحات نتنياهو، والمستثمرون أبدوا ذعرًا من فكرة اقتصاد مغلق على غرار كوريا الشمالية. منتدى الأعمال الإسرائيلي، الذي يضم قادة نحو 200 شركة كبرى، أصدر بيانًا اعتبر فيه أن سياسات نتنياهو تقود إسرائيل نحو انحدار اقتصادي ودبلوماسي غير مسبوق. وأكد المنتدى: "نحن لسنا أسبرتا، ورؤية نتنياهو ستصعّب علينا البقاء في عالم اليوم المنفتح والمعولم."

هشاشة مشروع "الاكتفاء الذاتي"

من الناحية العملية، يصعب على إسرائيل أن تحقق اكتفاء ذاتيًا. فهي تعتمد بشكل شبه كامل على استيراد النفط والفحم، وتعاني من نقص حاد في الأراضي الزراعية والمياه اللازمة لإنتاج غذائها. حتى في مجال الصناعات الدفاعية، الذي يُعد الأكثر تطورًا لديها، فهي ما تزال تعتمد على شركات ومواد خام أجنبية. أما على صعيد الصادرات، فإن ثلث الناتج المحلي الإسرائيلي قائم على بيع التكنولوجيا والبرمجيات والأنظمة الدفاعية للعالم، ومع أي مقاطعة أو عقوبات دولية سيكون الاقتصاد الإسرائيلي في مأزق خطير، نظرًا لصغر حجم السوق المحلي واعتماده الكبير على أوروبا كشريك تجاري رئيسي.

أسبرتا: النموذج الفاشل

التشبيه بأسبرتا كان صادمًا. فالمؤرخون يرون أن صورتها كقوة عسكرية جبارة مبالغ فيها، وأنها في الحقيقة عانت من هزائم متكررة وانتهت إلى الانهيار بسبب استبدادها الداخلي واعتمادها على استعباد الأغلبية. أسبرتا لم تكن مجتمعًا ملهمًا، بل كانت كيانًا قائمًا على القمع والعسكرة المفرطة، وهو ما جعلها تختفي من صفحات التاريخ لتتحول إلى مجرد ذكرى. وبالتالي، فإن محاولة نتنياهو استنساخ هذا النموذج لا تعني القوة بقدر ما تعني السير بخطى ثابتة نحو مصير مأساوي مشابه.

بين الأمس واليوم

المفارقة أن نتنياهو نفسه كان قد سخر قبل سنوات من تحذيرات قادة إسرائيليين سابقين تحدثوا عن "تسونامي دبلوماسي" قد يضرب إسرائيل إذا استمرت في تعنتها. لكن اليوم يجد نفسه مضطرًا للاعتراف بأن العزلة أصبحت واقعًا ملموسًا، وأن إسرائيل تواجه حصارًا اقتصاديًا ودبلوماسيًا متدرجًا. ومع ذلك، يصر على مواجهة هذا الواقع بالعناد والتحدي بدلًا من مراجعة السياسات التي أوصلت إسرائيل إلى هذه المرحلة.

الخلاصة

خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة لم يكن مجرد كلمة سياسية عابرة، بل كان بمثابة كشف عن أزمة وجودية تمر بها إسرائيل. فبين عزلة دولية متزايدة، واقتصاد لا يستطيع الاستغناء عن العالم، ومجتمع مرتبك من قيادته، تبدو إسرائيل أقرب إلى السير على خطى أسبرتا القديمة، حيث القوة العسكرية لم تمنع الانهيار، بل سرّعت نهايتها. والسؤال المفتوح الآن: هل يقود نتنياهو إسرائيل إلى مرحلة الاندثار التاريخي، أم أن الضغوط الداخلية والخارجية ستجبرها على التراجع قبل فوات الأوان؟

هذا السؤال هو جوهر اللحظة الراهنة، وهو ما سيحدد مستقبل إسرائيل خلال العقود القادمة، وربما مصير المنطقة بأكملها.

NameE-MailNachricht